الأحد، 28 مايو 2017

حنان الهوارى تكتب- -سعادة مبتورة


قصة قصيرة:
يتحدث مع زوجته على الهاتف... يدغدغ روحها بكلمات حب وغزل... لم يمض على زواجهما الا شهراً واحداً...فقد كانت عشقه...
ابنة الجيران... التى تربت علي يديه وتربعت فى قلبه ونمت كعود من الياسمين، أزهر بالأنوثه... وفاح عطره... توافد عليها العرسان ولكن أنى لهم أن يفوزوا بها ؟! ... مكتوبة هى بإسمه منذ أن كانت فى التاسعة من عمرها ... فهى ابنه خاله وابنه قلبه التى صنعت على عينه... ولدت على يديه وهو ابن الثانية عشر ... سقاها حباًواهتماماً حتى بلغت سن الشباب.
ما أن أنهت دراستها... حتى أعد لها بيتاً صغيراً .. لينقل اليه زهرته، التى لم يذق قلبها الحب الا منه وله. فكانا كعصفورين يحلقان وهما فى طريقهما الى عشهما، الذى بنياه معاً.
-كانا يسكنان فى الشارع نفسه وأصر (وليد) فى ليلة زفافهما ألا تطأ قدماها الأرض وأن تدخل عشهما الصغير محمولة على كفيه... بين عينيه وقلبه... لتسكن عينيه وتتوسد قلبه.... هذا ما كان يعدها به دائماً...يقول لها: ولأنك ملكة قلبى فستدخلين مملكتك محمولة كالملكات.
-------------------------------------
صعق... ووقع الهاتف من يده... وكاد قلبه أن يقف... حين سمع صرخاتها تتعالى على الطرف الآخر من التليفون ونادى بهيستريا:
عالية..... عالية
لم تجب... لم يسمع إلا سقوط التليفون... وبعدها انقطع الخط.
اعتذر من الزبون، الذى كان يقله - فقد كان يعمل سائقاً بجوار عمله محاسباً فى أحد الشركات- عادمسرعاً.. لا يدري كيف وصل؟ وبأي سرعة؟-
دخل شقته... يبحث كالمجنون... وينادي عليها ينادى:..ربااااه ليس لها أثر.
أين ذهبت؟ هل أصابها مكروه؟
كل مافيه ينادى: قلبه، عينه وروحه ..... حبيبتى.... اين أنت؟
-يتصل بأمه.
- أمى... لا أجد عالية... تعالى بسرعة.
-أتت أمه مسرعة.
يتجولون في كل أرجاء البيت... يبحث وليد حتى أسفل السرير وفى الدولاب ولا أثر لها.
يهرولان الى المطبخ... يتصببان عرقاً، من الهلع والتوتر.
-مازال الموقد... مشتعلاً ولا يوجد عليه الا طبق السمك الذى قامت بتحميره.
-ينادى وليد بصوت عال... ويجرى كالمجنون... يعود للمطبخ مرة أخرى... ليسمع أنيناً صادراً من خلفه...
التفت... وجدها... صعق من منظرها...تجلس القرفصاء... خلف أنبوبة البوتاجاز وعينيها جاحظتين... وآثار كفوف على وجهها وخربشات تنزف دماً.
-أسرع اليها... يحاول أن يحيطها بيديه. فتنفر منه.. يمسح وجهها وعيناه تذرفان الدموع...يمد يده فتغرز أظافرها فيها ... يحادثها فلا تجيب... حاول أن يساعدها لتقف... لا تقوى على الوقوف...
عيناها تحدقان... الى سقف المطبخ ينظر وليد فيتعجب... هذه الرموز السوداء الغريبة المنقوشة على شكل جمجمة. لم تكن موجودة.يحاول أن يبعد نظرها عنها... يحتضنها بين ذراعيه كطفلته، عيونه تبكى وقلبه ينزف ولم لا وهى زوجته وابنته وحب حياته.
-كانت أمه فى بيت خاله تنادى أمها لتكون معهم.جاءت مهرولة... ومعها أم عالية.
دخلتا الغرفه... صرخت أمها... عندما رأت وجه ابنتها ممزقاً.
نظر اليهما وليد. ووضع اصبعه على فمه، كى تصمتا...فقد بدأت عالية تهدأ وأغمضت عينيها......
جلستا واجمتين... لا ينبثان بحرف
دموع تسيل وأجساد كأن على رؤوسها الطير.
-كان وليد يتمزق من الألم وضعها في سريرها...خرج... وخرجتا تتبعانه.
ظل يهذى... ماذا حدث لها؟... لقد كانت تطير من السعادة وأنا أحادثها ولم أغب عنها سوى ربع ساعة من بعدالصرخة.
أيعقل أن يكون لص؟! وماذا سرق؟ وماذا شوه وجهها بهذا الشكل؟!
-من أين دخل؟ وكل الأبواب والنوافذ مغلقة ؟
لا يوجد شئ مفتوح الا جهاز التهوية الخاص بالمطبخ وبينما هو فى حيرته.
تذكر شيئا...........
عندما كان يبحث عنها وجد اناء الزيت الذى كانت تقوم فيه بتحمير السمك فى الحمام، الذي يجاور بابه باب المطبخ.
فعاد اليه مسرعاً... وجد الاناء متفحماً... على أرضيته.
وبينماهو.... يحاول أن يجد تفسيراً لما حدث
سمع صراخ حبيبته وأمها تحاول السيطرة عليها وكذلك العمة، غير أنها تصرخ وتنهش فى وجهها....
جري اليها... يحاول أن يمسك يديها، فوجد قوة هائلة منها تلقيه خارج الغرفة... يرتطم رأسه بالجدار... يحاول أن يقف...
ينظر مشدوهاً الى زوجته وحبية قلبه وهي تقف متنمرة، على السرير وتصدر صوتاً كفحيح الأفعى، يرفع كفيه عالياًقائلا: اهدئى حبيبتى لن أقترب منك ...
ماذا بك؟ آه يا حبة القلب لو أعلم من فعل بك هذا؟
قسما بربى سأقتله قبل أن ينطق بكلمة.
- تهدأ قليلاً... ولكن نظراتها غير مستقرة. ومازالت تنهش فى وجهها... تعدل من وقفتها تلملم ملابسها الى جسدها وتنزل مرة واحدة لتسقط على السرير..... تشير له أمه... فيخرج معها...ويتركا عالية مع والدتها ومازال وليد عيناه معلقتان بها.
- لقد أصاب زوجتك لبس من جن يا وليد
-لبس من جن؟!! كيف ؟!!
- الواضح يا بنى أنها بينما كانت منشغلة بالحديث معك، تسربت بعض نقاط الزيت على الموقد... فاحترق الإناء... وعندما رأت النار مشتعلة... لم تعرف ماذا تصنع، فألقت به مشتعلاً فى الحمام ولم تذكر اسم الله كما هو مفروض.
ومن أين لك بهذا الكلام؟ وكيف عرفتى؟
-هذه حالات نصادفها كثيراً. ونسمع عنها.
-كان وليد يستمع للكلام... يكاد لا يصدق
-اذا ما الحل يا أمى؟ أنا على استعداد لأى علاج، وأى شئ حتى لو اقتضى أن أقايضها بحياتى.
-يا بني سنجد الحل باذن الله... لا تقلق واتركها على الله... هناك شيخ يسمى (عرفه) نلجأ له فى أمور الحسد،والرقيه والسحر سأذهب اليه لأحضره الآن... فحالتها لا تنتظر الغد...
-------------------------------
صرخات تتعالى... وجسد متشنج... والشيخ يرتل آياته... والجسد المسجى يرتفع لأعلى شيئاً فشيئاً.
-يقوم الشيخ بتلاوة آيات قرآنية...
الجسد يهتز... ينزل بعد أن كاد يلامس سقف الغرفة.... يسقط فجأة...يتلقفه وليد، خشية أن تصاب بمكره...
تنقض على (وليد) فى محاولة لخنقه... يحاول الشيخ أن يبعدها... يصفعها بيده...... تترك رقبة (وليد) ويقوم (وليد) بتوبيخ الشيخ وتعنيفه على ضربه لها... يحاول الشيخ أن يفهمه أن هذا الضرب ليس لها... ويأمره أن يهدأ أو يترك الغرفة... فالأمر ليس سهلاً... كما توقع فقد اقترفت خطأ فادحاً ... أثارت عليهم نوع قاس من الجن ولولا عودته السريعة لقتلها وهولن يتركها الا بمعجزة.
يعده وليد أن يلتزم الصمت... ولكن ليترفق بها.
----------------------------------
مازال الشيخ يتلو أياته...
تعتدل عالية فى جلستها... وكأنها مومياء وجه شاحب مصبوغ بالدم، تشوهه الخدوش.
-تنطق ولكن بصوت غريب وكأنه صوتها آت من بئر عميقة... لن أتركهم حتى أقتلهم جميعاً سأحول هذا البيت الى مقبرة لهم كما قتلوا زوجتى التى أحب وابنى الوحيد... قتلتهم هذه الإنسية وسوف تموتون جميعاًجزاءاً لذلك. ويوجه كلامه لوليد قائلا: سأحرمك منها ومن ابنك الذى فى بطنها كما فعلت هى. كان الجميع وكأن على رؤوسهم الطير... وكأنهم فى احدى قصص الرعب)وقد تعجب (وليد) لخبر حمل عالية فلم يكن أحد يعرف به ولا هى نفسها
-الشيخ مازال يرتل أياته وهى تصرخ ينطق الجنى -سأخرج، سأخرج- يكفى هذا أتريد أن تحرقني كما حرقت هى زوجتى وابني لقدكنا نلهو معا كنت أسابق ابنى الذى لم يتجاوز العامين واختبأ منى فى حجر أمه وعندما ألقت هى الزيت حرقتهم شاهدتهم يحرقون ويصرخون أمامى.
زوجتى الحبيبة وابنى حرمتني من سعادتى عندما قتلتهم ولن أتركهم حتى يحترقوا جميعاً بل سأحرق كل من يقترب منهم.
ضعف الشيخ أمام قوة الجنى... ولكنه مازال يقاوم... قوة هائلة تسيطر على جسد الفتاة... ويقابلها الشيخ بالقرآن لصدها... يطلب الجنى من الشيخ أن يكف عن القراءة وسوف يخرج خوفاً على حياته... يصدقه الشيخ... يخرج من اصبع قدمها... والعلامة بقعة من الدم.
تهدأ فجأة... يضع وليد رأسها على صدره... يمسح عرقها... ويحتضن رأسها ويقبلها تفتح عينيها آخيراً.
ابتسامه واهنة... وصوت ضعيف أين أنا ياحبيبى؟
أنت هنا فى قلبى وبين ذراعى يا حبيبتي.
ماذا حدث؟... أشعر بتعب شديد...
سآخذك الى سريرك... يحملها... يتعحب فهى تسبح فى بركة من الدماء.
ينظر الى الشيخ... يأتيه هامساً... ألم يقل لك الجنى أنها حامل؟ لابد أنه أفقدها جنينها بما فعل بها من ضرب وتعذيب.
خذها برفق ولتغتسل.... كن معها ولا تتركها ثم أحضر لها الطبيب... سأحضر شيخى الأكبر وسوف آتى مسرعاً... لابد من تحصينكم من هذه القوة الشريرة بعون الله الواحدالأحد.. .
أراد وليد أن يضعها فى السرير فرفضت فهى تريد أن تغتسل.
طلب منها أن يحضر لها كل شئ، لتغتسل فى الغرفة... فهو يخاف أن يدخلها الحمام بعدما حدث... يطالب أمه وأمها أن يذهبا لإحضار مايلزم وهو سيظل بجوارها ليحميها.يجلس بجوارها... يمسك يدها... ويقول : لها كم يحبها وأنها حياته وسر سعادته وأنه لن يعيش يوما" على هذه الدنيا ان أصابها مكروه. ويعدها أن تعود حياتهما كما كانت. و تعود السعادة ترفرف عليهما...تشعر (عالية) بألم شديد، يكاد الألم يقتلها، تصرخ... تذهب أمها لإحضار الطبيب. وتأتى أمه لتساعده. تطلب منه عالية أن يغلق النافذة جيداً. لأنها تشعر بالبرد... يقوم ليغلق النافذة...فتفاجئه... بالجرى ناحية الحمام فى سرعة البرق تصل... وتدفع حماتها من طريقها...
-دخلت الحمام... أغلقته... جري خلفها... طرق الباب... لم تجب... صرخات... طرقات تتوالى...
رائحة دخان...ينادى... لا اجابة.
-تأتى الأم... علي صوت الطرقات والصرخات.
يحطم الباب... يقف مشدوهاً... ومن خلفه أمه
وشعلة من النار فى وسط الحمام.
لم ينطق الا باسمها: عالية لا يا عالية لالا.
في لحظة بدأت الأم فى الصراخ.
تجمع الناس علي المشهد العروسان اللذان شهدا فرحهما منذ حوالي شهرين يشتعلان معا عالية ووليد يحملها علي يديه
-----------------------------
رائحة اللحم المحترق تفوح... ودخان يكسو سماء الشارع... يتجمع الجيران... الباب،مفتوح. يدخل أحدهم مسرعاً... يجد العريسان يحترقان يحاول أن ينقذ الأم فاذا بلسان من النار،يجذبها لتنضم الى الاجساد المحترقة، يجري ويغلق الباب خلفه...
-------------
ما يتعجب له أهل الشارع والمحققين اللذين حققوا فى الواقعة، أن النار لم تتجاوز الحمام الي باقي الشقة ، وأنه كل مساء تنبعث ألسنة نار من الحمام... ولم يقو أحد من مشايخ الجن على السيطرة عليها... فصار البيت وما حوله مهجوراً. ورغم مرور السنين...
مازالت رائحة الأجساد المحترقة. تنبعث من البيت الذي صار قديماً... وتواترت اشاعات أنه تم اختطاف الكثير من العرسان حديثى الزواج وخاصة ممن سمع قبل اختفائهم صرخات لهم فى الحمام 

ربما تحتوي الصورة على: ‏شخص واحد‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.